19 أبريل 2017


هذه الحملة على الكاتبات .. لماذا ؟

لم تشهد مصر فى تاريخها كله اقبالاً من المرأة على الكتابة رواجاً لإدبها كما تشهده هذه الأيام ليس فقط فى عالم الكتاب والصحافة وإنما أيضاً عبر موجات الأذاعة وعلى الشاشتين الكبيرة والصغيرة وفوق خشبة المسرح.
وبدلا من ان تنشط اقلام المتخصصين لمتابعة الظاهرة وتحليلها بهدف تشجيع المرأة على الخروج من صمتها الذى اجبرت عليه لقرون طويلة وعلى امل انارة السبيل لها نحو الأداء الأفضل والأميز.اذا بحملةضارية تشن على الكاتبة المصرية!!! كانت البداية منذ اعوام عندما  اثير سؤال ميتا فيزيقى لاجدوى منه على الأطلاق: هل هناك أدب نسائى وادب غير نسائى؟!وإتضح الهدف اخيرا من تلك التصنيفة العبثية فلم يكن وراءها سوى محاولة شيطانية لحث المرأة الكاتبة على التخلى عن طبيعتها الخاصة وبالتالى تجاهل هموم جنسها والتعالى على آلأمهن والسخرية من عالمهن . وهكذا بدأت حلقة مفرغة من  الأراء النقدية انتهت بهجوم قاسى من عناصر يمينية وعناصر يسارية متطرفة على كل من تسول لها نفسها ان تشير من بعيد أو قريب ان للمرأة قضايا وانها فى حاجة ماسة لاعادة طرح كل المسلّمات حول وضعيتها وكيانها وهويتها.. الخ
واعلن كاتب كبير ان جميع الكاتبات المصريات بلا استثناء لاشئ اذا قورن بكاتبة لبنانية معاصر. وراح يكتب عن هذه الكاتبة المقالات ويتبعها بمقالات اخرى عن كاتبات من سوريا ومن فرنسا .. بل ومن اسرائيل .. كلهن رائعات عظيمان سيخلدهن التاريخ اما المصريات.. فلا .. مستحيل.. وقلنا لابأس .. فهذه عادة ذلك الكاتب الكبير..  حتى الأهرامات نفى ان المصريين بنوها ونقل عن الأخرين ان مخلوقات هبطت من السماء وبنتها ثم عادت الى قواعدها سالمة!! وتلى ذلك هجوم اخر من روائى مشهور حاول فى كل رواياته ان يثبت ان المرأة لاتثور مطالبة بحريتها السياسية الا لكى تصل الى  هدف واحد : النوم فى أحضان الرجل!! وبديهى ان كتابات المرأة لن تعجب هذا الكاتب الكبير اذا انها تحاول عبثاً ان تثبت ان المرأة مخلوق من جسد وروح وأن لديها العقل والضمير والأحلام الكبيرة والتطلعات المثالية. تماما مثل الرجل. وينضم لتك الحملة كاتب اخر تقدمى تسأله احدى المجلات النسائية عن روايه كاتبات المصريات فيلف ويدور وينتهى الى رأى قاطع :أنا عبرت عن المرأة افضل منهن..! ثم كاتب يسارى يتساءل فى عاموده اليومى بالجمهورية سؤالا عجيبا لماذا افلح الرجل فى التعبير عن المرأة وفشلت هى ..؟!
ويتشجع اخرون لينضموا للحملة الظالمة ويسعى البعض منهم لمحاولة بث الفرقة بين الكاتبات واثارة الغيرة والتناحر بينهن لكى تنتهى المسرحية الهزلية بمشهد كوميدى مثير : النساء وهن يتقاتلن وينصرفن عن الإبداع الى تبادل الإتهامات!
الطريف أن جيش المهاجمين كله لم يقرأ للمرأة أو لعله قرأ كتابا لكل كاتبة أو للبعض فقط!! ويأتى كاتب اخر ليعترف بهذه الحقيقة بكل صفاقه ومع ذلك يأخذ فى تصنيف الكاتبات ونقدهن بل ويضيف من عنده رأيا لى فى الكاتبتين اللتين أكن لهما كل إحترامى: سكينة فؤاد وجاذبية صدقى!!
ان نقد الكاتب امر طبيعى ولا اعتراض عليه بشرط الا تساق الأحكام جزافا ولا تطلق إلا بعد دراسات عميقة لكل كتابات الكاتب وللكتابات المعاصرة له بل والسابقة عليه أما أن نفاجا من حين لاخر بتلك الإنطباعات المتعجلة فى مقالات سطحية مليئة بالمغالطات فهذا مما يهبط بقيمة كاتب المقال وحده وكنت اتمنى الا يجرنى معه – اعتباطا لهذا المنحدر.
أولا لأنى عندما أود التعبير عن  رأى فى كاتب ما فلدى قلمى والحمدلله مدعم بالدراسات الجادة التى انشرها فى اكثر من مجال وثانيا لإنى أكن لكل الكاتبات المصريات بلا استثناء عميق الإحترام وارفض رفضا قاطعا ان اكون اداة فى يد اعداء التقدم لضرب مصر المتحضرة وتكميم افواه ابنائها وبناتها والعودة بها الى عصور الظلام. وثالثا وأخيرا لإنى اعتقد ان جعبة الكاتب لاتمتلئ بالسهام المسمومة الا بعد ان تنضب موهبته ويتسرب من عقله الفكر المفيد.
 نشرت فى جريدة الجمهورية
3/11/1986





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق