أمر وارد أن يسىء بعض كتاب الغرب فهم ما يجرى
على أرض مصر من أحداث بعد ثورة الثلاثين من يونيو
. أما الغريب و المؤسف فهو أن يردد بعض الكتاب المصريين ما يقرأونه لأولئك
الكتاب المعتمد كليا على ما يتابعوه فى قنوات معادية من أقاويل و مغالطات .
يزعم البعض إن الرئيس
المعزول الدكتورمحمد مرسى أول رئيس مصرى منتخب باسلوب ديمقراطى سليم ، و يتجاهلون كل
ما نشر حول نتيجة الانتخابات من اعتراضات عديدة . و يعزز استمرار تلك المقولة الخادعة أن السلطات المصرية
لم تجر حتى اليوم أية تحقيقات جادة حول تزوير استمارات المطابع الأميرية أو عن منع
القرى المسيحية من ممارسة حقهم فى التصويت ، و عن تواطؤ بعض رؤساء اللجان المؤيدين
للمرشح من أعضاء جماعته ، كما لم يتم التحقيق مع رئيس لجنة الانتخابات القاضى الذى
وافق على قبول ترشيح سجين هارب ، أو مرشح لحزب دينى رغم عدم اعتراف دستور ذلك
الوقت ( 1971) بالأحزاب الدينية . و محالفات أخرى
لم يبت فى حقيقتها حتى اليوم لأسباب لا يعلمها الا الله !!.
و يطالب البعض بالافراج عن كل المسجونين سياسيا على
الرغم مما أذيع بالصوت و الصورة لتحريضهم على الفوضى و حرق المنشآت و العصيان فى
اعتداء صارخ على هيبة الدولة ، و استهانة بسلطاتها !
و يقال إن اغلاق بعض
القنوات الفضائية يعطل حرية التعبير ، فهل كل ما ارتكبه أصحابها من أخطاء باسم الدين
حوكموا بسببها و أدينوا و يقضون اليوم عقوبتها يعتبر من حرية التعبير ؟! و هل من
الحكمة ترك أصحابها ينفثون التضليل والتأويل على شعب يعانى نصفه من أمية أبجدية و
النصف الآخر ، و هو الأخطر ، من أمية ثقافية ..؟!.
و يطالب البعض بالتصالح مع جماعة الإخوان المسلمين ، كأنهم لم يروا و لم يسمعوا بما ترتكبه عناصر
تنتمى اليها من قتل و تعذيب و ترويع للمواطنين
و التهجم على مؤسسات الدولة و إشاعة الفوضى فى كل محافظات مصر.
وقيل إن الأحزاب
الليبرالية و اليسارية تحولت عن المبادىء و
القيم الديمقراطية كأنما كان من واجبها أن تتغاضى عن الإعلان الدستورى الشاذ الذى
أصدره مرسى معلنا نفسه حاكما بأمرالله ، و أن تمتدح الإجراءات المتعجلة لأخونة
الدولة واحتلال الإخوان كل مناصب صنع القرار ؟؟ أو كان عليها ( وفقا للقيم
الديمقراطية ) أن تشارك فى جريمة تزييف التاريخ فى المناهج الدراسية..؟
و يقال كان يجب أن
يترك الرئيس المخلوع حتى يتمم مدته ، أى حتى يتم احتلال سيناء بالكامل من قبل حماس
وبعد أن يتم تسليم حلايب للسودان وبعد أن تحتضر الفنون و الموسيقى والدراما و
الأدب ، كل أشكال التحضرو المعاصرة..؟!
و لا اعتراض على مبدأ
التصالح بين كل أطياف الشعب ووقف دائرة العنف بشرط أن يتم القصاص للشهداء و
المصابين و تعويض أهاليهم ليس فقط بالمال بل بأحكام رادعة وإجراءات مشددة ضد كل من
تسبب فى فقدانهم أغلى ما يملك الإنسان .
و لابد من إعادة تأهيل
الشباب المخدوعين بالشعارات الجوفاء لجماعة الإخوان و أشباهها ، الذين يحرضون على مواجهة غير عادلة مع أمن البلاد المدعوم من
الجيش و المؤيد من الشعب و ، ومازال يُدفع بهم الى التمرد و العصيان رغم ما فى ذلك من خطورة عليهم .
و قيل إن الأمن كان قاسيا فى عملية فض اعتصام
رابعة العدوية ، فهل كان يمكن ترك احتلال ميدان حيوى هام بالعاصمة الى الأبد ؟ و
هل كان للأمن أن يتجاهل مئات الشكاوى من سكان المنطقة يطالبون بسرعة إنهاء
الاعتصام . إن قادة الاعتصام هم المسئولون عن الدماء التى سُفكت و الأرواح التى أُهدرت
، و كان الأحرى بهم أن يراعوا حقوق و مصالح
مواطنين مثلهم لهم نفس الحقوق و على الدولة تجاههم نفس الالتزامات ؟!
و قيل إن الحل الأمنى
وفرض قانون الطوارىء و اصدار قانون التظاهر اجراءات تخالف حقوق الإنسان وتضرالعدالة الانتقالية ، و
هذا صحيح نظريا و لكن مصر تعيش متذ ثلاث سنوات حالة استثنائية تقتضى حلولا
عاجلة و مؤقتة لحماية مواطنيها من انتهاكات
يومية فى الشوارع من بلطجة و قطع الطرق ومسيرات غير سلمية .
و هناك ملاحظات عديدة
على قانون الطوارىء و لابد من تعديله كى
لا يتعدى على الحقوق الأساسية للمواطنين ،
لكن صدوره أمر حتمى لأعادة الأمن للشارع المصرى و الهيبة للدولة و ممثليها
.
إن الكتاب الأجانب الذين يواصلون الهجوم على
الثورة المصرية فى المواقع الغربية لا يمكن أن يقبلوا لبلادهم ما يحدث بمصر من
بلطجة و فوضى و انتهاكات لحقوق الإنسان تحت شعار حرية التعبير ، و لعلهم يتذكرون
ماذا فعلت فرنسا مع حركة التمرد فى الأحياء النائية ، و ماذا فعلت شرطة نيويورك مع متظاهرى وول ستريت و كيف واجه اردوجان اعتصام
ميدان تقسيم وحديقة جيزى..الخ
و قد نعطى بعض العذر لهؤلاء لأنهم لم يعرفوا معاناة الملايين طوال السنة التى حكم فيها مرسى ،
الذى نسى وعوده الانتخابية و تفرغ لتحقيق هدف واحد هو ارضاء و تمكين رؤسائه و
زملائه ( أهله و عشيرته ) أعضاء الجماعة التى ينتمى اليها . و لكن لا عذر لأبناء
مصر الذين يتجاهلون حقيقة أن الشعب المصرى اليوم هو من يمسك بالزمام و هو المدعى العام والقاضى و الحَكَم و لن يسمح لأحد
بأن يتعدى على القيم و المبادىء الديمقراطية التى قدم حياته فداء لها و لن يتخلى
عنها أبدا .