اختلط الحابل بالنابل اقبال بركة
كما حدث من قبل اختلط الأمر على المتابع لاضطرابات شارع قصر العينى و مجلس الشعب و تصور الكثيرون أن المهاجمين هم ثوار التحرير ، فالمشاهد عن بعد لا يمكنه أن يميز الثائر من المندس ، فكلهم شباب و كلهم مصريون و كلهم غاضبون ، حتى جندى الأمن المركزى أو الشرطة العسكرية المحتمى بدرعه ، المدجج بالأسلحة هو أيضا شاب مصرى لا يختلف عن الإثنين الآخرين .
و استبعد كثيرا أن يشعل النيران فى مبنى حكومى أ ي من ثوار التحرير الذين انتفضوا فى الخامس و العشرين من يناير الماضى دفاعا عن مصر و حريتها و كرامتها .
و يخطىء أكثر من يصدق أن أولئك الصبية الذين لا تتخطى أعمارهم السابعة عشرة و الذين راحوا يحرقون المبنى الحكومى و يلقون بكرات النار عليه و هم يهللون و يتصايحون كما لو كانوا فى احتفال همجى لعبدة النار ، من ذوى المبادىء الثورية أو ينتمون لأى فكر أو عقيدة . بل الحقيقة أن الثوار دافعوا عن المبنى و أنقذوا ،رغم الحريق ، آلاف المخطوطات النادرة و الأثرية .
إذن لابد من فض الاشتباك بسرعة بين الثوار و غيرهم من المندسين من فلول الحزب الوطنى ومن استأجروهم من المشردين و أطفال الشوارع ، و إلا سيستمر نزيف الدم و الدموع وتشييع الجنازات و البكاء على الأرواح التى نالت شرف الشهادة فى الوقت الضائع .
إن الغوغاء الذين رأيناهم يتكالبون على إشعال النيران يفعلون ذلك بجرأة شديدة لأنهم يعلمون أنهم فى حمى الثوار، و أن الأمن المكلف بحماية تلك المبانى إذا اقترب منهم فستتصاعد فى اليوم التالى عشرات الأصوات التى تدينه و تتهمه باستخدام العنف الوحشى فى مجابهة " الثوار ". فأى ثوار هؤلاء الذين ينقضون عهد الخامس و العشرين من يناير و الذين حولوا أروع ثورة سلمية الى فوضى عارمة و هدم لكل شىء ؛ أمن المواطن و ثروة البلد و هيبة الدولة و احترام الجيش ..الخ ؟
لقد اختلط الحابل بالنابل ، و صعب على جنود و ضباط الجيش و الشرطة أن يميزوا بين العملة الرديئة و العملة الصحيحة ، و لذلك حدثت تجاوزات لا يمكن السكوت عليها ، و سارعت عدسات المتربصين بالتقاط صور مشينة لجنود يتعاملون بعنف شديد مع فتيات و فتيان محتجين . لم يدرك الجنود أن الثوار الحقيقيين الذين بهرواالعالم كله من الخامس و العشرين من ينايرالى الثامن من فبراير، و حققوا المعجزات دون أن يطلقوا رصاصة واحدة ، بعيدون تماما عن كل العنف الذى تعوم فيه منذ شهور و لا نعرف من وراءه .
و الحل فى نظرى هو فض الاشتباك ، وأن يحدد الثوار بكل فصائلهم وكتائبهم مدة زمنية لن يقوموا فيها بأى اعتصام أو مظاهرات و لن يتجمعوا فى أى ميدان ، و سيتابعوا ما يجرى فى البلاد من تطورات لمدة يحددونها وفقا لرؤيتهم . نحن فى أمس الحاجة لهدنة تهدأ فيها النفوس و يسترجع فيها الجميع ما تم من خطوات الى الأمام أو الخلف ، معتصمين بحبل الله ، متأملين خيرا فى أعضاء المجلس المدنى الذى سيراقب المجلس العسكرى و يشاركه الحكم حتى يتسلم المقاليد حكومة ورئيس منتخبان .و لنستعد من اليوم للاحتفال بمرور عام على اندلاع الثورة يليق بقيمتها التاريخية و قامة من قادوها .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق