8 ديسمبر 2009

الحجاب في فرنسا سياسي و ليس ديني

لو اننا فكرنا بهدوء ، و تخلصنا من عقدة الإحساس بالإضطهاد ، و تأملنا المشكلة المثارة حاليا فى فرنسا حول ما يسمى بالزى الإسلامى ( الحجاب) ، ربما انتهى الأمر الى ارسال خطاب شكر الى كل من الرئيس الفرنسى جاك شيراك و الى فضيلة الدكتور سيد طنطاوى شيخ الأزهر

لقد تصرف الرئيس الفرنسى جاك شيراك بحرص شديد تجاه قضية الحجاب التى اشعلتها تلميذتين يهوديتين (!!) بمدرسة اعدادية فرنسية ، فلم يسارع باصدار قرار رئاسى و لا قانون جمهورى و انما كرئيس ديموقراطى حريص كل الحرص على مصلحة بلاده و ارضاء أغلبية المواطنين ، حول الأمر الى رئيس ديوان شكاوى المواطنين برنار ستازى الذى كون لجنة من عشرين رجل و سيدة من المتخصصين فى الديانات و القوانين و الدستور من يبنهم اثنان من المسلمين احدهما استاذ للتاريخ و الفكر الاسلامى فىجامعة باريس ، و الثانية عالمة اجتماع ومستشارة بادارة الشئون قانونية بوزارةالتعليم ، بالإضافة الى سيدة قانونية و رئيسة سابقةلرابطة التعليم ،و الأمين الوطنى لحقوق الإنسان فى الحزب الحاكم ،و مديرة مدرسة ،و عضو بالحزب الحاكم و خبير بشئون العالم العربى ،و رئيسة بلدية ، و مستشار وزير التعليم و عضو المجلس الأعلى لتحقيق الاندماج .

استمع اعضاء اللجنة الى مئات التلاميذ و المدرسين و السياسين و النقابيين ..الخ و بعد اجتماعات عديدة

و مناقشات مستفيضة أصدروا تقريرا فى سبعين صفحة ، أوصوا فيه بسن قانون يمنع التلاميذ و الموظفين من استخدام اى شارات دينية تدعو للتميز بين الأديان ليس بصفة عامة و انما فى المدارس الحكومية و الدوائر الحكومية فقط ، و ذلك احتراما لمبدأ العلمانية المقرر فى الدستور الفرنسى .

أ علنت توصية اللجنة باجماع 19 عضوا ضد عضوواحد ، أى بما يشبه الإجماع ، و رغم ذلك لن تطبق التوصيات فورا و انما فتح باب للنقاش والحوار بين الجميع حتى سبتمبر القادم . بعد كل تلك الخطوات المحسوبة شديدة الحرص على التوازن و اقامة العدل بين الجميع ، لن تنفذ التوصيات و انما سيعرض تقرير اللجنة علىالبرلمان الفرنسى ، الذى يملك وحده الحق فى اصدار القوانين ، و ذلك بعد مناقشة الأعضاء لها بكل حرية ..

إن الرئيس الفرنسى جاك شيراك يعتبر صديقا للعرب و من اكثر الشخصيات السياسية فى اوروبا تفهما للقضيةالفلسطينيةو تعاطفا مع الحق العربى فيها ، و هو لهذا يحظى بأصوات مسلمى فرنسا فى كل انتخابات يدخلها ، و قد جاء قراره فى اعقاب موقفه الشجاع برفض الغزوالأمريكى للعراق ، بالإضافة الى مواقفه المعروفة فى صف العرب و الفلسطينين ،و لم يتحرك لاتخاذ قرار الا بناء على الضجة الشديدة التى أثارها ارتداء بعض الفتيات للحجاب فى المدارس الفرنسية ،و الجدل الذى تلى ذلك ، وبناء على طلب رفعه بعض اولياء امور الطلبة الى وزير التعليم بإيقاف الظاهرة ، وطلبات عديدة من بعض الطالبات المسلمات اللاتىطلبن حمايتهن لأنهن يرغمن علىارتداء الحجاب من عائلاتهم . والهدف من تدخل الحكومة هو حماية الفتيات القاصرات ( قبل سن الثمانية عشرة )واعطائهن الفرصة للإختيار الحر بعد أن يتخرجن من المدارس التكميلية و الثانوية ، و الدليل على ذلك ان القرار لن يطبق علىالجامعات و لا على الحياةالخاصة و لا على الشركات او المدارس الخاصة .

و من بين التوصيات الهامة التى جاءت فىتقرير لجنةالعشرين : السماح للتلاميذ بارتداء الصليب الصغير او مجسم المصحف او نجمة داوود كحلية فى العنق ، و جعل عيد الأضحى و عيد الغفران اليهودى من بين العطلات للمدارس الفرنسية ، وإنشاء معهد وطنى للدراسات الاسلامية ، كما اوصت بالتوسع فى دراسة اللغة العربية بالمدارس ، و بتوفير مرشدين اسلاميين فىالسجون و غيرها ، و السماح للمسلمين ببناء المزيد من المساجد ومحاربة التمييز الدينى ضد المسلمين فى كافة المجالات و اتاحة المزيد من فرص العمل لهم ..

و الغريب ان المعارضين المتدينين نسوا او تجاهلوا كل تلك التوصيات الهامةو ركزوا فقط على منع الحجاب ! أما المعارضين الغربيين فلم يتظاهروا من أجل الإسلام و لا تأييدا للحجاب ، و انما دفاعا عن الحرية الشخصية و العلمانية . إنهم نفس الذين ساروا فى مظاهرات تؤيد سلمان رشدى صاحب كتاب " الآيات الشيطانية " و تعترض على قرار الخومينى بتكفيره .فالمجتمع الفرنسى يؤمن بالحرية الشخصية الى حد التقديس و النساء يستمتعن فيه بالحرية المطلقة فى حياتهن وفى ارتداء الملابس العارية و الشفافة و القصيرة جدا..الخ

كذلك فإن العلمانية فى فرنسا مبدأ سياسى مقرر فىالدستور ، تحترم كل الأديان و ترفض تمييز دين ما على حساب الأديان الآخرى ، و الدستور الفرنسى يبيح للمواطنين حرية العقيدة ولا يرغم المواطن على الخضوع او الولاء لعقيدة أو دين معين ، و القوانين نفرض التعايش و الاحترام بين الأديان وقدتم الغاء ذكر الديانة فىالبطاقات الشخصية .

القضية سياسية مائة فى المائة و قد ادرك ذلك فضيلة الدكتور سيد طنطاوى شيخ الأزهر ، و تصرف بحنكة و ذكاء شديدين فنأى بالأزهر عن ان يستغل فى معركة سياسية ، و ارسى قاعدة ذهبية بقوله " لا اسمح للغير بالتدخل فى شئونى و بالتالى لا اسمح لنفسى بالتدخل فى شئون الغير ".

ملحوظة : صوتت غالبية من 494 الى جانب القانون فىالبرلمان ضد أقلية من ستة و ثلاثين نائبا رفضوه


إقبل بركة،،،

‏الثلاثاء‏، 08‏ كانون الأول‏، 2009 ‏07:32:37

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق