7 يناير 2012


و إذا كان هذا الفريق الخارج على القانون  يتحرك بأوامر تأتيه بالريموت كونترول ونعرف جميعا من أين تصدر له ، هناك فريق آخر كانت الثورة نعمة و بركة عليه ، عندما فتحت أبواب المعتقلات   أطلقت سراحه و سمحت له أن يشارك فى مسيراتها و اعتصاماتها فإذا به ينتهز ما قدمته له من حرية و كرامة ويستدير لينقض على الثورة نفسها ..
و فصيل ثالث كان صامتا  تتعجب الدنيا من سلبيته و صبره على الظلم و الضيم ، إذابه ينتفض فجأة متأثرا بما أتاحته الثورة من هواء نقى و جو خال من الفساد ، و بدلا من أن ينضم للثوار راح يعطل مسيرتهم  بمطالب فئوية و اضرابات واعتصامات شوهت صورة الثورة و مصر كلها .
نفخ الثوار النفير فاستيقظ النيام و انطلقوا فى كل اتجاه الكل يسعى الى مصالحه ..و يتصادم مع الآخرين و يصر على أن يحقق أحلامه وحده مهما تعارضت مع الآخرين  .. و فى غمرة الحماس لتحقيق الأحلام الشخصية نسينا الانتاج ، و غفلنا عن حقيقة هامة أن من يمد يده ليأكل من خير غيره يفقد كرامته  قبل حريته . وها قد مر عام  على اندلاع الثورة و مازلنا " محلك سر " ، فهل سنعود الى سابق عهدنا ، أم سنصر على أن نأكل من عرق جبيننا و من إنتاجنا . هل ستحدث المعجزة التى حلمنا بها طويلا ، و نعود يد واحدة وننسى خلافاتنا و نعتصم بحبل الله بدلا من تلك الفرقة التى  انغمسنا فيها و ضيعت علينا عاما كاملا  لم نحقق فيه الا القليل ..؟
و كل عام و مصر بخير ..

كل يوم يذهب الباطل الى عمله و يجلس خلف مكتبه و يصدر الأوامر للميليشيات التى رباها فى حظائر الحزب الساقط .كما تربى المواشى.اختار أفرادها بعناية من البؤساء الذين دفعتهم ظروفهم  البائسة الى الخروج على القوانين ، و بدلا من أن يمنحهم التهذيب و الإصلاح داخل السجون و يدربهم على حرف تبعدهم عن طريق الانحراف ، شجعهم على البلطجة و أطلقهم على الناس , و أصبح لدينا فى مصر وظيفة جديدة هى " مسجل خطر " آلاف بل عشرات الآلاف من القتلة و اللصوص وقطاع الطرق مطلقوا السراح فى شوارع مصر ، يتحركون فى كل مكان ، و يكشفون عن وجوههم وقت الانتخابات فيروعون الخصوم و يعترضون طريق كل من تسول له نفسه أن يقاومهم . و تضاعفت أعدادهم حتى صار بين كل مواطن و مواطن ، مسجل خطر ..هؤلاء هم أبطال المشهد اليوم . يعيثون فى كل محافظات مصر فسادا ، كأنهم يعاقبون المصريين الشرفاء على فرحتهم بالثورة و نصرتهم للثوار ..، و هم معروفون تماما لرجال المباحث و يمكن جمعهم فى ساعات قليلة ..

عندما احتجز رجال الرئيس السابق  كلهم خلف القضبان صفقت الدنيا كلها للثورة ، وقدمت التحية للجيش الوطنى الذى انحاز للمواطنين .. للحق .. للواجب  و أعلن حمايته للثورة ..
تساءلنا فى وجل .. حلم هذا أم علم ..؟
تصورنا أن تسقط بعد ذلك كل الأصنام التى تحكمت فينا ثلاثين عاما .. لقد  ظهر الحق فلا بد أن يزهق الباطل ، و لكن الباطل  ظل فى موقعه .. يذهب الى محل عمله كل يوم ويخطط و يدبر و ينفذ مخططا للاستمرار الى الأبد ، و فرض الأمر الواقع ، و ربما العودة الى  الوراء بوجوه جديدة و أقنعة مختلفة ..

فكرت مرتين وفى الثالثة قررت أن أكتب . أحيانا يكون الصمت أبلغ من الكلام ، و أحيانا يكون خطأ لا يغتفر.
 فى خضم السجال بالكلمات و ضبابية الرؤية  آثرت الابتعاد عن الكتابة . ضاعت معالم الطريق و صار الكل يطعن فى الكل
 تباعدنا فى الرؤى .. البعض  يتبع طريق الأمل و البعض الآخر يتوه فى ضباب اليأس ..
هل نعيش أيام ثورة أم أوهام تمرد بدأ و لا يبدو له نهاية ..؟
كل هذه الاعتصامات و الاحتجاجات و المسيرات ، و أخيرا الصدامات  الى أين ..؟
لا تبدو الصورة واضحة بل مشوشة مثل شاشة تليفزيون أصابه عطل ..الصوت الذى سمعناه  جيدا و خفقت قلوبنا لندائه و رددنا وراءه .. الشعب يريد أن يسقط النظام ..
و هاهو النظام الفاسد قد سقط ... تهاوى تحت وطأة إرادة جبارة التحمت فيها أصوات  الملايين ترفض الفساد و الظلم ،و تنشد العدل و الكرامة .. فماذا بعد ؟! و هل سقط النظام حقا .. ؟!
مازلنا تائهين فى فى طريق الصرارعات و المطالبات و الهتافات ..ندور فى دوامة لا نهائية  .. كأننا ثور يدور فى ساقية مغمض العينين ..