مصر اليوم مثل لاعب
السيرك الذى يعبر فوق حبل رفيع ممسكا بعصا طويلة ليحافظ على توازنه . فإما أن يعبر
أو يسقط من حالق ..الى الأبد ! فبعد أن أزاح شعب مصر فى الثلاثين من يونيو الكابوس
السياسى الذى ظل يجثم فوق صدره آلاف السنين ، لن يجرؤ حاكم أو مسئول بعد هذا اليوم
على الاستبداد أو التحكم أو التنكيل بمواطن مصرى ، و سوف يعلو صوت القانون ليحل
محل الخطب الإنشائية و المواعظ المضلِلة و الفتاوى الملفَقة .
الثلاثين من يونيو
ثورة شعب بكل ما تحمله هذه الكلمة من معان ، حتى و إن تخلف البعض عنها ، فلكل ثورة
حركة مضادة ، و ضد كل حكم ديموقراطى أقلية معارضة .
إن الثورات عادة ما
تكون لحظة فارقة فى حياة الشعوب ، وبعد ثورة 1919 م خرجت ملايين النساء الى العمل
الشريف و أثبتت الآلاف منهن جدارتهن وتفوقهن على الرجال ، فلماذا يظل سيف التقاليد
و الأعراف البالية مسلطا فوق الرؤوس . لماذا تظل المرأة وحدها مكتوفة الأيدى مغمضة
العينين مسلوبة الإرادة لدرجة أن تتبع من يقهرها و يرفض وجودها فى ساحة الحياة
الرحيبة ؟ أتكلم عن ملايين النساء اللاتى منحن أصواتهن لمرشحين يمكن تصنيفهن
كأعداء للمرأة . كيف أمنح عدوى فرصة ليتسلط على و يخنق أنفاسى و يوقف نموى ؟! قد
نعذر النساء اللاتى أخطأنا فى حقهن وتركناهن يرتعن شريدات فى مجاهل الفقر و الجهل
، فما هو عذر المتعلمات ؟ لقد خرجت ملايين النساء المصريات فى كل المظاهرات التى
هتفت تطالب بالحرية ، منذ السادس عشر من مارس 1919 حتى الثلاثين من يونيو 2013 ، و لكن هناك ملايين أُخر لم يخرجن ، و اليوم نرى البعض
منهن انضممن الى ساحات التضليل فى رابعة العدوية والنهضة وغيرها .
إذا كان بعض الرجال قد
انضموا للثورة المضادة مدفوعين بمصالحهم الخاصة ، فماذا عن النساء ؟ لقد تجاهل الرئيس
السابق المرأة فى خطاباته الأخيرة ، و كان فى هذا متسقا تماما مع أفكار الجماعة
التى تربى فى أحضانها . فجماعة الإخوان لا يرون المرأة إلا كحاملة للنسل و راعية للأسرة . فيما عدا
هذا فلا دور لها و لا ضرورة لوجودها فى الحياة العامة . و فى انتخابات مجلس الشعب
" المنحل" صرح أكثر من قيادى فى
الأحزاب ذات المرجعية الدينية بأنهم لم يكونوا يرغبون فى ترشيح نساء على قوائمهم ،
لولا أن القانون أرغمهم على ذلك . و بالفعل كانت مجموعة النساء اللاتى رُشحن على
قوائمهم صم بكم لا يعمهون. و تابعنا أداءهن فى مجلس الشورى لعل إحداهن تثبت خطأ
أفكارنا و تعيد أمجاد زرقاء اليمامة و السيدة عائشة رضى الله عنها و الخنساء وليلى الأخيلية و الشاعرات العربيات و وراويات
الأحاديث النبوية ، فلم نحظى بشىء .
ثورة الخامس و العشرين
من يناير و ملحقها فى 30 يونية أنصفا الشباب و أعادا لهم اعتبارهم كقوة دافعة
قادرة على التغيير ، و الأمل كبير فى أن يعود الاعتبار الى المرأة بمشاركة فعالة
فى الوزارة الجديدة تتحرر فيها من نظام الوزارة الوحيدة (عادة وزارة الشئون
الاجتماعية) أو الوزارتين ( بإضافة وزارة الاقتصاد ) ، فالمرأة نصف المجتمع و من
حقها أن تشارك فى إصلاح الإرث الفاسد الذى تركته حكومات الحزب الوطنى و الإخوان
غير المأسوف عليهما .
و
لعلنا لا ننسى الحديث الشريف " النساء شقلئق الرجال " و ووصف المصطفى المؤمنين بأنهم " مثل الأخوين مثل اليدين
تغسل إحداهما الأخرى "
الفرصة
متاحة للرئس الجديد والوزارة الانتقالية لأن يثبتو اختلافهم الجذرى عن الحزب الذى
ثار على وزارته كل المصريين ، فلا إقصاء للمرأة و لا الأقباط و لا أى فصيل مصرى بل
الاحترام و المساواة و الاستفادة من كل الكفاءات المخلصة لنعبر معا الجسر الفاصل
بين الماضى المتخلف و المستقبل المشرف المضىء .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق