23 يوليو 2013

الشعوب قادمون

الكاتب يتنبأ بما سيحدث بناءا على استقراء الأحداث و تحليلها  و قد كتبت هذا المقال فى ‏الاحد‏، 23‏ مارس‏، 2003، فى زاويتى بالأهرام اليومى " حتى لا 
ننسى "  أى قبل ثورة الخاس و العشرين من يناير بثمانية أعوام  و يشرفنى أن أعيد نشره اليوم 

الشعوب قادمون                   
عيد الأم هذاالعام  كان يوما حزينا . استقبلته الأمهات العربيات و قلوبهن مع شقيقاتهن العراقيات اللاتى بدأ القصف الأمريكى لبلادهن يهدم أحلام و أمنيات العيد و يلوث بالدم و الموت ساحات الاحتفال ، ويطفىء الأنوار فى مسارح البهجة..
و بدلا من الاستمتاع بمشاهدة المسرحيات الكوميدية  والأفلام و السهرات و أغانى الفيديو كليب و برامج الاحتفاء بالأمومة و تكريم كل من بذلت العطاء دون انتظار لمكافأة  أو شكر ..  تابعت الأمهات العربيات على الشاشات الصغيرة و صفحات الصحف أنباء و صور  المظاهرات التى تجتاح عواصم و مدن العالم .. مئات الألوف من  النساء و الرجال .. الشيوخ و الشباب.. من جميع الطوائف..أسرا بأكملها : الزوج و الزوجة و الأبناء..  أمهات يحملن أطفالهن ، فنانات وفنانون عالميون ..الكل يهتف فى نفس واحد : لا للدماء مقابل البترول .. نعم للسلام  .. ليس باسمنا تشنون الحرب ..اوقفوا العدوان على العراق..
إنه واقع يشد الانتباه وينبىء بميلاد عصر جديد ؛ عصر مشاركة المرأة فى السياسة  ، عصر الشعوب ، التى خرجت لتفرض  إرادتها ، و بالمظاهرات السلمية و المسيرات واللافتات تعلن  عن مطالبها و مواقفها  ، بالخطب  المرتجلة  يلقيها شبان وأعضاء جماعات و منظمات غير حكومية ، و بالبيانات المدعمة بالأرقام و الحقائق التى يوزعونها باليد و بالانترنت ،بالبوسترات و الأقنعة العملاقة و الصور ، بالرقص و الغناء الجماعى فى الشوارع  تشهر أسلحة  اقوى من صوارخ كروز و الطائرات الشبح والمفترسة و أمضى من أسلحة الدمار الشامل.
بدأت ارهاصات العصر الجديد فى منتصف الستينيات من القرن الماضى  عندما عارض الشباب الأمريكى حكومته وفرض عليها إنهاء  الحرب فى فيتنام  ..وفى الثمانينات غيرت شعوب اوروبا الشرقية النظام السياسى فى بلادها ، و بالمسيرات السلمية أطاحت بالحكومات الاستبدادية و قضت على النظام الشيوعى و حررت أوطانها من سيطرة الاتحاد السوفيتى  .
و فى التسعينات نجحت المظاهرات التى اجتاحت المدن الغربية  و أمريكا الجنوبية  احتجاجا على مؤتمر العولمة الاقتصادى فأفشلت مؤامراته و فرضت على أعضائه أن يغيروا من سياساتهم ويعدلوا من قراراتهم .
و مازالت شعوب العالم  تخرج فىمظاهرات يومية لتعلن للإدارة الأمريكية رفضها العدوان على الشعب العراقى تحت أى دعاوى أو مبررات  .إن عالم اليوم لم يعد يشبه عالم الأمس الذى كانت الشعوب تستسلم فيه لإرادة حفنة  من ساسة بلادها . لقد أصبحت الشعوب  ترفض حل المشاكل السياسية بالعنف ،  وصارت  تتخابر و تتبادل الحوار عبر شبكات الانترنت فى حوارات مباشرة محررة من رقابة الحكومات وتلصص أجهزة المخابرات  و سيطرة أجهزة الإعلام ..و عن طريق شيكات الانترنت تكونت فرق  الدروع البشرية  التى تجمعت من بلاد عديدة و سافرت على حسابها الخاص الى بغداد لكى تدعم المقاومة الباسلة والموقف البطولى للشعب العراقى الذى يدافع عن وطنه و كرامته و استقلاله .
وهكذا ساد منطق الأمهات .. ورأينا بين المتظاهرين  العديد من النساء المسنات و الشابات  يرفعن لافتات تقول : لا للدمار ،  لا لسفك الدماء ،  لا لمزيد من الأرامل و الثكالى و اليتامى و ضحايا الحرب .."
إن أمهات اليوم لم يعدن  أسيرات المطابخ و المخادع و سرايا الحريم .. لقد اتسعت أمومتهن لتحتضن العالم كله و تحميه من الانتحار  ، فعالم يسوده العنف و تدق فيه طبول الحرب وتروع فيه الأمهات و الأطفال لن يكون عالما سعيدا لأى إنسان على ظهر الأرض .
‏الاحد‏، 23‏ مارس‏، 2003


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق