ألِف باء الديمقراطية ..
قبل أن نتحدث عن التعديلات الدستورية و تفاصيلها
، و هل يتم إحلال الدستور الحالى أم
تجديده ، وهل نكتفى بتعديل بعض المواد و نترك الباقى للأجيال القادمة ، و ماهى
التعديلات التى يجب أن تحدث للمواد المزمع
تغييرها.. قبل ذلك لا بد من أن نعمل على
أن تسود المجتمع المصرى ثقافة الديمقراطية ، أى أن تنتشر بين
الشعب بكل طوائفه و فئاته روح
الانتماء للوطن و احترام كل من يعيشون على أرضه ، وتقبل الخلاف فى الرأى كأمر طبيعى يمكن أن يفيد
و لا يضر، يقدم و لا يؤخر، و غير ذلك من
القيم والمبادىء العامة التى تمهد الطريق نحو إقامة ديمقراطية حقيقية باقية و
فاعلة .
وإذا تم
لنا ذلك فلسوف يعتز الجميع بحقوقهم السياسية ، وسيسارع المتميزون الى ترشيح أنفسهم للمجالس
النيابية ، وستمتلىء سرادقات الدعاية الانتخابية
بكل فئات الشعب من شيوخ و شباب ، رجالا و
نساءا ،يصحبون معهم أبناءهم ليتلقوا الدرس الأول فى التمسك بحقوقهم كمواطنين ، وسستختفى
ظاهرة بيع الصوت الانتخابى لمن يدفع مقابل
ملاليم ، يل سيحرص كل مواطن على التدقيق و التمحيص فى اختيار من يمثلونه فى مجلس
الشعب ، و يسعى لأن يعرف كل كبيرة و صغيرة عمن سيمنحه هذا الشرف ؛ فيتعرف الى
تفاصيل ماضيه و حاضره ،ويناقشه حول خططه للمستقبل و يفاوضه حول مطالب الجماعة و
التزامه بالتعبير عنها داخل المجلس .... وبهذا يخلو المجلس من المشبوهين و
الإنتهازيين و المهرجين و عندما يقر المجلس قانونا
أو يوافق على قرار ، سنلتزم به و نحترمه ،مطمئنين لمن انتدبناهم و فوضناهم
فى الدفاع عن حقوقنا و اخترناهم من بين الجميع ليكونوا ألسنتنا وعيوننا التى
تبحث عن الخطأ وترفضه و تسلط الضوء على الصواب وتفرضه.
إذا ما
تحققت الديمقراطية على أساس "المواطنة"
، ستصبح المواطنة فخرا واعتزازا، وستعود
للمواطن مكانته ، وتسعى السلطات الثلاث الى خدمته؛ سيحفظ للسلطة القضائية هيبتها و
للسلطة التشريعية شرعيتها و للسلطة التنفيذية قوتها، و لن تكون لأى منهما الغلبة
على السلطات الأخرى أو الانفراد بصنع القرارات المصيرية ..ستكون الثقة و الاحترام و التعاون متبادلين
بين السلطات الثلاث وبعضهم ببعض ، و بينهم جميعا و المواطن ، مصدر شرعيتهم و رهن
بقائهم و الحكم الفصل بينهم .
إن
الديمقراطية سلوك و ثقافة و قيم قبل أن تكون تشريعات و قرارات عليا .
و إذااعترف كل مواطن بحق المواطنين الآخرين فى الحرية و الحياة الكريمة و المشاركة فى بناء
و تنظيم المجتمع ، ستتلاشى تدريجيا
تعقيدات كثيرة تحول حياتنا الى جحيم من
جراء تدخل البعض فى حياة الآخرين ، أو
استعلاء الأغلبية القادرة على الأقلية الساكنة أو المقهورة، أو رغبة الذكور
فى الهيمنة على الإناث . ستذوب الفوارق و تحل محلها الحقوق و الحريات العامة .
ستختفى من حياتنا روح التمرد و و الرغبة
فى التدمير و الأنانية . إن الديمقراطية الحقيقية التى تنبع من أعماق كل فرد فى الشعب لن تكون ترياقا سحريا
يقضى على كل أوجاعنا و أمراضناالمزمنة ، و لكنها
ستكون الأساس المتين الذى يمكن أن
نبنى فوقه وطنا جديدا يحتضن الجميع و يمنحهم فرص الترقى و النمو .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق